مقالات الاسرة

البحث عن معنى الحياة

2502
1
تاريخ النشر :2014-07-22

الجذور التاريخية لنظرية العلاج بالمعنى : 

ظهرت مدرسة العلاج بالمعنى على يد العالم النمساوي فيكتور فرانكل الذي كان يعمل بعيادة الطب النفسي العصبي بجامعة فيينا وتخصص في الطب النفسي والعصبي ، ونشر فرانكل أول مقال له بدعوة من فرويد عندما كان عمره ١٩ عاماً ، في مجلة التحليل النفسي الدولية ١٩٢٤م .

وقد أوجد وابتكر فرانكل فكره وجود مراكز توعية وإرشاد للشباب في فيننا لمن يقعون تحت الضغوط والهموم وعندئذ أنشأ فرانكل اصول وأساسيات العلاج بالمعنى . وفي المركز لاحظ فرانكل اليأس والضعف والارتباك ، والأكتئاب لدى الشباب . وخلال العمل وجد أن أصل المعاناة الوجودية تنتشر بينهم وذلك في جميع الأعمار والثقافات والمجتمعات المختلفة . ووجد فرانكل من خلال العمليات العلاجية وخبرته الشخصية أن الإحساس بالهدف والمعنى هما الاهتمام الاساسي للناس وليس المال أو المكافآت والحوافز الخارجية . وقال إن بعض الناس لا يوجد لديه معنى بأي شكل في حياتهم مما ترك عندهم الاحساس بالفراغ والضيق والملل الغير محتمل الذي يؤدي بالنهاية لليأس والضياع . 

وقد طور وأنشأ فرانكل طريقة علاجية على أساس الافتراض الاساسي بأن المعنى في الحياة اليومية يعتبر جوهر وأساس الوجود . وانه عندما يجد الناس المعنى في حياتهم فإنهم سيصبحون أصحاء نفسياً ونشيطين روحياً ، فإذا وجد الانسان معنى في أي جانب من جوانب حياته فإن هذا سيكون هدفاً يسعى إليه ويعيش من أجله ، وعليه فإن العلاج بالمعنى يركز على معنى الوجود الانساني وبحث الانسان الدؤوب عن هذا المعنى . وقد نشأ هذا العلاج وبدأت بذوره عندما كان فرانكل معتقلاً في أحد المعسكرات أثناء الحرب العالمية الثانية ، فقد اكتشف أثناء فترة الاعتقال أن بداخله طاقة ترفعه فوق مستوى ظروف القهر والسجن . وأخذ يسأل نفسه هذا السؤال الهام : " ما الذي جعل بعض الناس يصمدون أثناء هذه التجربة المريرة وينجون بينما مات الأغلبية ؟ وبينما يبحث عن الاجابة أخذ يدرس المعتقلين الموجودين معه في ضوء عدة عوامل شخصية منها الصحة والحيوية وهيكل الأسرة والذكاء وأساليب البقاء . وقد خلص إلى أن كل هذه العوامل لم تكن هي السبب الرئيس بل كان السبب الرئيس الذي اكتشفه داخل الناجين من هذه المأساة هو وجود الاحساس بالرؤية المستقبلية . اذ سيطر على كل من نجح في البقاء اليقين بأن له مهمة في الحياة يجب إستكمالها ، وأن لهم مهام حيوية ما زالوا في حاجة إلى الانتهاء منها .   

إن الإنسان لا يسعى فقط إلى إشباع غرائزه، أو لتهيئة أفضل ظروف اجتماعية يعيشها ، لأن هذا وحده لا يسعده ولا يرضيه. ولكنه يهتم أساسا بأن يكون هناك معنى ومغزى لحياته، وهدف وقيمة يتوجه إليهما. ووفقا لهذا المعنى، وتلك القيمة ، يجد الحياة ، بكل ما تحمله من مشقة ومعاناة، تستحق أن تعاش. إن الشكاوي التقليدية من نقص القدرة على بلوغ الإشباع ، أو الافتقار إلى الأداء الاجتماعي الماهر ، أو حتى شكوى الأعراض التقليدية من قلق ومخاوف ووساوس... وغيرها، تتضاءل كماً وقيمة أمام تعاظم الشكوى من الشعور المؤلم بالافتقار إلى الهدف في الحياة ، أو الشعور بأن الحياة مجرد عبث لا طائل من ورائه، إنها شكوى الافتقار إلى معنى الحياة . ومع ذلك، فإن هذا النوع الأخير من المعاناة، عندما ننظر إليه من حيث هو دافع يدفع الإنسان إلى البحث عن معنى لحياته، يمكن اعتباره دليلا على الصحة النفسية والإيجابية في الحياة. فهو دليل على تمسك الإنسان بأن تكون لحياته قيمة تتجاوز مجرد التواجد المشبع ، إلى الحضور الإنساني الإيجابي الفعال . وفي هذا يقول فرانكل : 

(إن البحث عن معنى الحياة أصدق تعبير عن الوجود الإنساني ، هو العلامة الأكثر جوهرية في الطبيعة الإنسانية) ، إن الإيمان بمعنى الحياة ، يمد الإنسان بالقدرة على العطاء والتسامي على الذات ، فيمتد بذلك التأثير ليعم الإنسانية كلها ، وإن كنا نستطيع على نحو مباشر، إدراك القيمة التي تنطوي عليها الحياة ، عندما يسعى الإنسان فيها ليحقق معنى وقيمة يعتبرها أغلى من حياته ذاتها ، فالإنسان ليس مجرد شيء يوجد ولكنه كائن يعيش ، وإذا وجد أن حياته قد تدنت إلى مستوى مجرد الوجود ، فإنه يشعر بالفراغ . فقد يستطيع الإنسان تحمل تأجيل الإشباع أو الحرمان النفسي أو الاجتماعي والاقتصادي، ولكنه لا يستطيع أن يتحمل خلو الحياة من الهدف والمعنى

فقد لاحظ فرانكل، أن نسب الانتحار كانت مرتفعة بين طلاب بعض الجامعات الأمريكية، وأن الذين أقدموا على الانتحار ، كانوا في معظمهم من الطلاب الذين ينتمون إلى أسر ميسورة ، وعلاقاتهم الاجتماعية طيبة ، وحتى مستوى تحصيلهم الأكاديمي مرتفعا إلى حد كبير ، أي أن الظروف المحيطة بهم ، تبدو جيدة ، ولا توحي بأن هؤلاء الطلاب قد يصل بهم اليأس والإحباط إلى حد يدفعهم إلى التخلص من حياتهم. وتبين أن نسبة كبيرة من الناجين من محاولة الانتحار، قرروا فيما بعد أنهم فعلوا ذلك لأن الحياة لم تكن تحمل لهم أي معنى، وهي بذلك لم تكن حياة تستحق أن تعاش.

وعليه فإن الإنسان، إذا لم ينجح في اكتشاف المعنى، الذي تنطوي عليه حياته، فإن هذه الحياة تصبح ضئيلة القيمة، ويصبح من العبث أن يجهد الإنسان نفسه في تحمل مصاعبها. حيث تتحول يوما بعد يوم إلى عبء ثقيل، لا جدوى من الاستمرار في مصارعته. لهذا يدعو فرانكل، إلى تركيز الجهود حول مساعدة الإنسان على أن يكتشف بنفسه معنى الحياة الذي يؤمن به، وبأهميته للإنسان. ويلخص هذا الموقف ساهاكيان  بقوله : 

إن المعنى موجود دائما وفي كل مكان، حتى في المعاناة. والنوع الوحيد من المعاناة الذي لا يمكن احتماله، هو ذلك الذي يبدو بلا معنى. فإذا لم تستطع أن تفهم أسباب معاناتك، لن تتمكن من احتمالها. إن التعاسة في حد ذاتها، شيئا يمكن تحمله، ولكن غياب المعنى هو الذي لا نتحمله. والمعاناة التي لا يمكن تفاديها عندما تتحول إلى خبرة ذات معنى، لا تصبح شيئا يمكن احتماله فحسب، ولكن تصبح شيئا مثيرا للهمم وروح التحدي. إذا كان لديك معنى للحياة، فلن يكون هناك شيء في الحياة لا يمكن التغلب عليه، ولن تكون هناك معاناة لا يمكن احتمالها. إن الحديث عن معنى الحياة، يشير إلى مفهومين يجب التفرقة بينهما بداية؛ يرتبط المفهوم الأول بمعنى الحياة في عمومها؛ حياة البشر وعلاقتها بسائر الموجودات في العالم. أي نظام الكون  وانتظام علاقات البشر ببعضهم البعض، وبالعالم المادي من حولهم، إنه إجابة عن السؤال : ما هو معنى الحياة ؟ ونحن نقول بإن القصد من وجودنا وفق مفهومنا الاسلامي واضح في قوله تعالى (( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ الذاريات ((56)) ، أما السؤال ما هو معنى حياتي ؟ فهذا هو المعنى الذي يرتبط به المفهوم الثاني، أي التصور الشخصي والفردي لمعنى الحياة، إنه طرح السؤال بين الإنسان ونفسه : لماذا أعيش ؟ ومن أجل ماذا ؟ ولمن ؟ وهو صميم عملنا في برنامج المعنى للتدريب الشخصي حيث نقدم المساعدة من خلال عده طرق وأدوات للمتدرب في اكتشاف المعنى الحقيقي لحياته . 

المصادر : كتاب إرادة المعنى ، كتاب الانسان يبحث عن المعنى ، عدة دراسات وأبحاث في المعنى

مشاركة :

اضافة تعليق

الاسم:
التعليق:

التعليقات السابقة

البحث في المقالات
ادخل كلمات البحث
أكثر المقالات مشاهدة
إدارة المشاعر
(18964) مشاهدة (11) تعليق تاريخ النشر:2014-02-13
أهمية الاستشارة النفسية
(16878) مشاهدة (27) تعليق تاريخ النشر:2013-08-06
مهارات زوجية للمقبلين على الزواج
(12602) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2019-04-08
غربلة الذات
(9037) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2018-07-05
الكذب
(8483) مشاهدة (0) تعليق تاريخ النشر:2019-03-31